arablog.org

عن أصوات الناس التي حاولت تجاهلها فتركت آثارا على جسدي!

في لحظات الرغبة في الإسترخاء اغمض عيني واتمنى ان اقف أمام شاطىء هادىء، لكني اعود وافتحهما لأني ببساطة ارى نفسي مرتدية الحجاب والبس حذاء، وبلوزة باكمام طويلة، وأسمع شخص يقول لي “شعرك باين من تحت الطرحة”، حتى الخيال اصبح به تلك القيود التي اشعر انها تكبلني في الواقع!

هذه مساحة اختارتها للفضفضة، اتوقع ان اجد أصوات مستنكرة، ولكني اطالبهم بالابتعاد عن تلك المساحة، فهذه الأصوات هي التي جعلتنا نرى أنفسنا في الخيال بنفس الصورة التي نسير بها في الشارع، لا نستطيع حتى ان نستدعي تلك الصورة التي نريدها لأنفسنا متحررين من القيود ولو لدقائق.

لا استطيع ان اصدق الاشخاص الذين يقولون “كلام الناس مش بعمله حساب”، هذا الأمر صعب للغاية، خاصة في هذا المجتمع القاسي الذي نعيش فيه، واصوات الناس تخترق اذاننا، ونظراتهم المستنكرة سوف تجدي لها آثارا لا تمحى على جسدك، فحتى لو تجاهلنا فعلا هذه الاصوات في البداية، مع الوقت لن نستطيع وستجد لها مساحة في تفكيرنا وستؤثر على قرارتنا، ببساطة قفي امام صف طويل من الملابس الجميلة الزاهية الالوان، ابدئي في التقاط منها ما لفت انتباهك وتعتقدين انه يناسبك، اخبريني الآن كم منها اعدتيه الى مكانه قائلة “حلو بس مش هعرف البسه هنا”؟!

انا اسكن في منطقة بعيدة، عندما اقرر النزول من المنزل استغرق ساعتين قبل ان اصل الى وسط البلد لوحدها، اسمع تعليقات عديدة على جسدي وملابسي وهيئيتي وطريقي سيري في الشارع، على الحقيبة التي اجملها، على الكتاب الذي اقرأ فيه، على ارتدائي نظارة، على كوني امرأة، ربما اسمع مرة من يقول “ايه اللي انتي لابساه ده”، ومرة اخرى اسمع “مراتي مش في البيت النهاردة”، ومرة اخرى “شعرك باين” أو حتى تعليقات مستنكرة اني اسير في الشارع أو “اركب الميكروباص” وازاحم الرجال في اماكنهم، وطبعا هناك تلك النظرات التي تعرفها مكانها في جسدي!

الامر بدأ بالانزعاج من اقتحام مساحتي الشخصية بهذه الطريقة، ثم حاولت ان اتجاهل ذلك مرارا، لم استطع، فاشتريت سماعة اذن واجعل صوت الموسيقى عالِ رغم ما يسببه لأذني من اضرار، واخيرا قررت ان اسير بسرعة حتى لا تقع عيني على شخص يتفحصني او تخترق أذني كلمة لا ارغب في سماعها، لكن هل هذا هو الامر الطبيعي؟ هل كل امرأة عليها ان تتخذ كل هذه الخطوات حتى تسير في الشارع، ذهبت الى بلادا عربية وجدت الامر مختلفا تماما، لكني لم اعثر على إجابة بشأن مجتمعنا؟ لماذا اصبحنا هكذا؟ وإلى متى سنظل كذلك؟

منذ فترة بسيطة، فتحت دولاب ملابسي وقررت ان ارتدي ما اريد، بالطريقة التي اريد، لكن فجأة اختفى حماسي وذهبت شجاعتي عندما ترددت في أذني بعض من الكلمات التي ساسمعها حتى اصل لوجهتي، اكتشفت ان حتى لو في لحظة ظننت ان تلك الأصوات لم تعد تؤثر فيكِ، لكنها تظهر فجأة وتمحي كل ما حاولت فعله للمقاومة.

سالخص كل ماسبق، كان أمامي سفر وبعد ان جهزت كل شيء، بحثت عن سماعتي لم اجدها، فتحت الحقائب وفتشت بداخلها، قلبت غرفتي رأسا على عقب ولم اجدها، تحدثت الى أمي في عملها اسألها عن السماعة، ايقظت اشقائي، اخرجت ملابسي من الدولاب وبعثرت كتبي باحثة عنها، ولم اتحرك إلا بعد ان وجدتها في حقيبة يدي، كل هذا لإني لا ارغب أن اسير خطوة في الشارع واسمع أصوات الناس، لحقت القطار وهو يتحرك، لكني لم اندم، فقد وجدت السماعة حائط الصد الأخير عن أصوات الناس، وكل هذا وأنا اللي كنت أظن اني صدقت نفسي عندما أقول “لقد كبرت كلام الناس مش مهم”، ولم ادرك أن كلامهم اخترق اذني واحتل وجداني للأبد.

سماح صادق بطلة تحدت الواقع في مصر

اشعر بسعادة غامرة الآن عندما يقول لي اشخاص لا اعرفهم من خلال شبكات التواصل الإجتماعي انني مصدر إلهام بالنسبة لهم، وفي الوقت نفسه اتذكر انه كان ومازال لدي “مصدر الهام ودعم” وبعد ان عرفتها منذ سنوات بعيدة توقفت عن البحث عن قدوة في الشخصيات العظيمة التي يتحدث عنها الناس ويشيدون من أجلها التماثيل.

سماح صادق هي بطلة قصتي، وهي بلا شك -من وجهة نظري وآخرين غيري- واحدة من الأبطال الذين تحدوا الواقع، ونجحت في أن تصنع مستقبلها بمفردها بتعب ودأب عظيم، وبإمكانيات بسيطة جدا لكنها كانت تستغلها بكفاءة، كل هذا دون أن تتخلى عن التفاؤل والسعي ومساعدة الآخرين.

سماح صادق صحفية وروائية وايضا شاعرة مصرية، صدر لها ديوان واحد بعنوان “البنت البردانة في قلبي”، ورواية “ترانس كندا”، وتستعد للإطلاق روايتها الثانية، هي الآن تعيش في كندا لكن وقت ان تعرفت عليها كانت هنا في مصر تجلس على مكتب خلفي في مقر صحيفة إلكترونية، اغلقت ابوابها لكن مازال كل من عمل بها اصدقاء حتى الآن.

لنبدأ من نقطة النهاية، لقد تركت عملي في الوقت نفسه الذي كانت تستعد فيه سماح للسفر لكندا، لقد تزوجت وستعيش مع زوجها هناك، كنت تعيسة وفاقدة اي احساس بأن هناك أمل بعد ان فشلت في أن احصل على فرصة عمل، فما كان إلا ان احضرت سيرتها الذاتية التي كانت منشورة على موقع إحدى المؤسسات التي تعاونت معها من أجل تدريب، ودرستها جيدا، وبدأت اخطو نفس خطواتها، حتى الآن اتخذ بعض القرارات واقتحم مجالات واكتشف انها هي من سبقتني، واني قد قرأت هذا في سيرتها فانطبع في رأسي واصبح يقودني دون أن ادري.

قبلها عملنا معا في صحيفة الكترونية شبابية، كانت هي قادمة لتوها من الولايات المتحدة الأمريكية بعد ان امضت هناك عاما كاملا تدرس الصحافة بعد أن حصلت على منحة من مؤسسة فولبرايت، وهي بالاساس خريجة كلية الآداب قسم اللغة العبرية، كنت اعتبرها “معلمتي” واستشيرها كثيرا، واسألها عن كل شيء، كنت منذ اللحظة الاولي التي اراها فيها واعرف انها ستعمل معا، ارى فيها النموذج الذي اريد أن اصبح عليه، هي جميلة وذكية جدا، مرحة ولطيفة ومتعاونة واجتماعية جدا، كما ان لديها موهبة كبيرة في الصحافة وتمتلك اسلوب جميل، وتحب التعلم، ولديها افكار كثيرة باستمرار، كانت شخصية محورية في مكتبنا وقدرتها على الحكي لا يفوقها احد فيها، بالإضافة لذلك كانت موهوبة في الشعر، الكتابة الابداعية بشكل عام، ولديها مدونة غاية في الجمال.

كانت تتحدث عن اسرتها البسيطة، ولم تخجل من ذلك ابدا، كان هذا يشعرني بالاطمئنان كثيرا، فنحن نتنمي إلى نفس الطبقة الاجتماعية وتلقينا نفس التعليم، كنت اشعر بسبب وجودها إنه لا يوجد شيئا يمثل حاجزا لكي احقق طموحي، هي من ساعدتني ان اتحدث بشجاعة مع والدي بشأن سفري، وبالفعل وافق واصبح يساعدني في كل مرة اسافر فيها داخل أو خارج مصر.

كنت ادير معها نقاشا في امور عدة دون خوف، وعندما اتذكر تلك المناقشات الآن، اكتشف كم كنت ساذجة ومنغلقة، لقد اصبح لدي نفس ارائها الآن عن الفنون، الحرية، الحجاب، العمل، السفر، فكلما تقدم بي العمر عاما جديدا اشعر اني اقترب كثيرا منها، واشعر اني تجاوزت مرحلة الفتاة الخجولة المنغلقة التي كنتها سابقا، كل هذا لإن سماح كانت هناك يوما، تمثل لي نموذجا حيا على إن طموحي مشروع وقابل للتحقق، وإنه لا مكان لخوف أو قلق بسببه.

واجهت موقفا هي من ساعدتني على التصرف فيه وحسمه من البداية، لم استشرها وقتها لكن كل ما في الأمر إني تذكرت ماذا فعلت هي عندما واجهها نفس الأمر، ببساطة اسم أبي يتشابه كثيرا مع لقب وزير سابق، وفي كل مرة اذهب الى مقابلة عمل او ورشة تدريبية كان الناس يتصورون إني ابنته او على الاقل واحدة من قريباته، كنت حاسمة في ردي إنه ليس ابي، ونحن لسنا اقارب، حتى لو تسبب ذلك في فقدي وظيفة كنت اطمح اليها، كنت اقول “إن ابي ليس وزيرا ولن يكون، هو عامل في مصنع حكومي”، لقد اتخذت هذا الموقف بثبات، أن اقول من أنا واين يعمل ابي دون مواربة أو استغلال لأحد، لانها يوما ناقشتني قبل أن تذهب لمقابلة لمنحة تدريبية خارج القاهرة، كيف ان سألها احد عن عائلتها هل تقول إن جدها كان يعمل في مهنة بسيطة ولكن الناس ينظرون اليها هنا نظرة غير لائقة، واتفقنا وقتها انها ستقول الحقيقة إن سألها أحد، نفس القرار اتخذته أنا بعد ذلك ولم أندم على شيء.

سماح صادق بطلة تحدت الواقع في مصر، لقد تعلمت وعملت وحصلت على منحة للولايات المتحدة بكفاءتها دون واسطة من أحد أو مساعدة، كانت تساعد الآخرين وعونا لهم، لم تعش شخصية ليست شخصيتها وكانت صريحة وواضحة ولم تستغل احدا ولم تكذب، سافرت كندا لكنها تنشر أعمالها باللغة العربية، وحتى روايتها مثلت مصدر الهام لآخرين، فالرواية تتشابه كثيرا مع واقع كانت تعيشه.

سماح صادق بطلة قصتي، واذا كنت اعتبر نفسي الآن ناجحة فهي من رسمت مستقبلي عندما مثلت نموذجا نادرا في الاعتماد على النفس وتجاوز الألم والاندماج في حياة الآخرين دون شعورا بالنقص بل على العكس هي تفوق الكثير ممن عرفتهم في إدراك كيف يصنع الإنسان نفسه دون أن يحمل على كتفيه مرارة بسبب ما حدث في الماضي.

سماح صادق تستحق أن تكون بطلة من بطلات تحدوا الواقع في مصر.

 مدونة سماح صادق

صفحتها على الفيس بوك 

صفحة روايتها “ترانس كندا” على موقع Goodreads

هذه التدوينة كانت مشاركة في مسابقة أبطال تحدوا الواقع في مصر التي نظمها برنامج شباب تك على قناة دويتشه فيله العربية

في محبة “بنت البقال”

منذ عامين شاهدت حلقات مسلسل “موجة حارة” بطولة إياد نصار وقرأت الرواية “منخفض الهند الموسمي” المأخوذة عنها المسلسل لأسامة أنور عكاشة في يومين فقط بالتزامن مع مشاهدته، لم يتبقى في ذهني الكثير من مشاهده إلا سيدة لم تظهر إلا قليلا لكن وجهها وصوتها والدور الذي قامت بادائه كان بالنسبة لي مدهشا، كانت ممثلة لأول مرة ارى وجهها تؤدي دور تاجرة مخدرات تحب سيدة اخرى اصغر سنا -نوسة أو هنا شيحة.

الدور كان متميزا والأداء ايضا، لم اسأل عن اسمها لكن اليوم فقط عرفت إنها عارفة عبد الرسول، لما رأيت نفس الوجه على بوستر فيلم تسجيلي اسمه “بنت البقال” اخرجه عماد مبروك، ومنذ الدقائق الأولى للفيلم ادركت إنه مألوفا لي وسبق أن رأيته، وفي لحظة تذكرت إني كنت هناك في مهرجان ساقية الصاوي الرابع للأفلام التسجيلية والذي اقيم في يوليو 2008-نفس العام الذي تخرجت فيه من الكلية- وشاهدت كل العروض تقريبا وكان فيلم “بنت البقال” بينها.

لا انسى ابدا هذا المهرجان، وقتها كنت تعيسة حديثة التخرج تبحث عن عمل وتخشي ان لا تجده، وذهبت من حلوان للزمالك كل يوم على مدار ثلاثة أيام لكي اشاهد العروض من 6- 9 مساء وكنت اضطر إلى الرحيل قبل إنتهاء عرض الفيلم الأخير حتى استطيع ان اصل المنزل في وقت مناسب، وفر لي البحث على الأنترنت الآن تذكر اسماء افلام لم تبارح ذاكرتي ومازالت موضوعتها مثيرة بالنسبة لي، منها  مثلا فيلم “الجسد” الذي حكى عن سيدة عجوز لكن في شبابها كانت موديل في كلية الفنون الجميلة يرسمها الفنانون، وفيلم “بنت البقال” الذي وجدته على الانترنت بالصدفة.

يحكي الفيلم عن سيدة فقيرة من الأسكندرية والدها كان بقال، تعمل بالحكي وتجيده، ليست امرأة جذابة لكن في وجهها وصوتها شيئا يجبرك أن تنتبه له.

عندما اعدت مشاهدة الفيلم اليوم، سمعتها تتحدث عن حلمها بالعمل في القاهرة وتصبح ممثلة معروفة، بعد 30 عاما تقريبا من العمل في الحكي والتمثيل على مسارح قصور الثقافة، سعدت جدا إن حلمها تحقق بعد كل هذه الفترة وإنها لم تتخلى عنه، وعملت بالفعل في مسلسلات مثل بدون ذكر أسماء، فرح ليلى، إمبراطورية مين، كما قرأت ان “حكايات بنت البقال” الذي روت فيه تجربتها الشخصية في حي الحضرة بالأسكندرية سيتحول لفيلم سينمائي قريبا.

الفيلم القصير الذي استغرق 19 دقيقة فقط، لم يكن فقط مبهجا ومتحدثا عن سيدة موهوبة لكن تخلله بعض اللحظات الحزينة بالتحديد وهي تتحدث عن حادثة حريق قصر ثقافة بني سويف  عام 2005 ومقتل 50 شخصا، وبكت عندما تذكرت تصريح لمسئول وقتها قال فيه “قصور الثقافة دي بتربي فيران في الجحور” وشعرت بألمها ليس فقط من فقدانها لزملائها بل لامتهان سنوات عمرها التي قضتها في عمل تحبه وتحترمه ومخلصة له، وايضا آلمها لامتهان زملائها والعمل الذي لقوا حتفهم وهم يقومون به، فقالت وهي لا ترغب في استكمال الحديث عن الموضوع “الناس دي كانت بتشتغل بجد حتى لو كانوا بيقدموا حاحة هايفة”.

احببت كثيرا “بنت البقال” بطاقتها ومثابرتها وحلمها الذي لم تتركه على مدار اعوام طويلة.. احببت تلك الموهبة التي نمت ونضجت عبر عمل طويل في الظل لكنه مستمر ويقدم بحب كبير..

 

 

حكايات شهيرة محرز

منذ فترة طويلة اشعر بحالة من انعدام الرغبة في الحفاظ على اي من عاداتي القديمة حتى المفيدة منها، لم ابتدع عادات جديدة بعد، محافظة فقط على حالة السكون والصمت، التي يضمنها لي النوم لساعات طويلة، صحيح مازالت احلم اني اسناني تقع وامسكها بيدي متسائلة في كل مرة “ازاي هاواجه الناس بشكلي ده” لكن لم ارغب ابدا ان اقلل من ساعات النوم الطويلة.

عادة واحدة فقط لم انساها او ارغب في تغييرها، هي ان في بداية كل يوم افتح جهازي لابحث عن فيلم وثائقي جديد يتحدث عن سيرة ذاتية لشخصية مشهورة او غير مشهورة، لا يهم، المهم ان اجد فيلم جديد في كل مرة، لم امل ابدا، هي فقط تلك الافلام التي تجعلني اشعر انه حتى في تلك الاوقات التي لا ارغب ان امسك في يدي كتابا، مازالت قادرة على الانشغال بفيلم وثائقي او سينمائي يتحدث عن حياة اي شخص في اي زمن واي مكان، ومهما فعل حتى لو كان هتلر .

هناك افلام تجعلني اشعر اني قرأت كتابا، وآخرى كأني قرات مقالا، وطبعا هناك افلام لا قيمة لها تتعامل مع المشاهدين كما لو كانوا لم يقرأوا حرفا عن الموضوع أو الشخصية وتردد كلاما قديما ومحفوظ دون ان تهتم بالبحث.

اتمسك بالمشاهدة كما لو كنت في السينما، اغلق الباب، اغلق الستائر، الغرفة مظلمة تمام، اذن فليبدأ العرض.

قبل ان احكي لك عن ماذا شاهدت، فكرت انه ربما رغبتي في الانغماس في حياة شخص آخر هو رغبة في الانشغال عن حياتي نفسها، عن فترات الضعف والاحساس العميق بالفشل وضياع الهدف وتجاهل ان الحياة تمر من تحت قدمي دون ان اشعر باي انجاز، واني قاربت ان المس خيوط عامي الثلاثين دون ان أصبح ما اريد، على كل حال ربما تجد في تمسكي بمشاهدة حيوات الاخرين خاصة الناجحين منهم رغبة في الاحتماء بهم، ربما يصيبني من نجاحهم شيئا او ان اسمع منهم ما اريد سماعه، انه كان هناك صعوبات لكن كان النجاح في نهاية الطريق.

هذه المرة لن احكي لك عن وثائقي بالمعني، بل الحلقة الأولى من برنامج جمع مؤنت سالم الذي بدأ بحلقة مع شهيرة محرز الباحثة في العمارة والفنون التقليدية.

قبلها قرات مرات عدة تلك الجمل المقتبسة على لسانها عن زوجها الراحل، جميلة فعلا وتمس وتارا حساسا لدى الكثير من النساء في مصر، تقول:”مش قادرة انسى انه حب بلدي واستثمر فلوسه فيها بدال ما يحطها برا وابقى مشتتة ما بينه وبين حب وطني فحسيت ان هو حلمه حلم مصري مش حلم واحد اجنبي.

كنا مثلا نتأخر في الشغل نبقى متفقين أرجع الساعة 5 فأرجع 9 فصاحبتي اللي متجوزة مصري تبقى مروحة بترجف وعلى لسانها (حسن هيبهدلني حسن هيعمل حسن هيسوي عشان اتأخرت) وأنا راجعة مطمنة لاني عارفة اني أول ما أدخل هيقولي حبيبتي انتي اتأخرتي ليه،، لازم مرهقة،، أعملك حاجة تشربيها ! طب أحطلك شوية موسيقى ! أقوله لأ لسا عندي شعل يقولي: خلاص كملي شغلك وأنا هقعد جمبك هقرأ وأحطلك موسيقى.

فأكمل شغل وبعد كدا الاقيه قام جبلي حاجة أكلها حاجة أشربها يعملي مساج في ظهري يعني( بيسندني)،، ومش معيشني في رعب يا هو الأول في حياتي يا مفيش حياة.

كنت بصحى مرات كدا في نص الليل أقول يا رب أنا عملت ايه عشان استاهله عشان أستاهل الحياة دي،، طبعا كان ليها صعوبتها مش كل حاجة كانت كويسك، لكن احساس انك عايشة مع بني أدم بيقدرك وبيسندك وفي نفس الوقت من غير مساومة من أي ناحية يعني مبتدفعيش تمن العلاقة دي، وده كان بيديني فخر شديد لأنه كان بيحسسني بعدم التناقض اني حبيت أجنبي بس الأجنبي ده مصري القلب”.

بحثت عن الحلقة، بشعور انها قطعا قد قالت كلاما مهما آخر، بالفعل وجدت ان الحلقة القصيرة التي تبلغ 25 دقيقة، قالت فيها شهيرة محرز الكثير، مثلا اعترفت انها رغم جهودها في البحث وتدوين الملابس المصرية القديمة “ما نجحتش اقنع الناس يغيروا لبسهم للزي المصري التقليدي” لكن رأت انها نجحت في تدوين الملابس “قبل ما تموت”.

قالت وهي تشرح الزي النسائي التقليدي وتشابه مع ملابس ورموز الفراعنة، اضافت ان “الست المصرية طول عمرها بتغطي شغرها بس كان غطاء انساني وآدمي، ما يمنعش ان حتة من شعرها تبان لان الشعر مكنش مرتبط بالخطيئة”.

تحدثت عن علاقتها بالمعماري المعروف حسن فتحي، واهتمامه بتطوير مساكن للفقراء “كان بيقول ان لازم العلم يخدم المحكوم عليهم بالاعدام بالسكن السيء”.

لم تنسى د. شهيرة النصيحة التي قدمها لها حسن فتحي حول شعورها بالحيرة بين الثقافة الفرنسية التي تربت عليها منذ طفولتها، والثقافة المصرية التي تنتمي اليها، قال لها انها يمكن أن تجمع بين الحضارتين بدون أن تشعر انها تخون واحدة منهم.

اخيرا، قالت انها كان سعيدة بثورة 25 يناير وكان برهانا بالنسبة لها على ان الشعبي المصري حيا “25 يناير احسن يوم في حياتي”.

الحلقة انتهت..

لست ادري ماذا ساشاهد في المرة القادمة، لكن بالتأكيد سأحكي عنه او عنها، ربما اكتب عن الافلام السينمائية ايضا، فاذا لم يكن هناك برنامج أو فيلم وثائقي فليكن فيلم سينمائي، لا بأس، السينما تضيف الى عمري اعمارا وتمنحني دفئا وتساعدني ع تجاوز المحن.

ميت على ناصية شارع عمومي!

من أسبوعين عملت اشتراك جديد في مكتبة مصر العامة-مبارك سابقا-، بالمناسبة الاسم بس هو اللي اتغير انما معظم الكتب ملزوق عليها باركود وتحته “مكتبة مبارك العامة”، وبالمناسبة كمان فيه كتب كتيرة جدا من  اصدارت مكتبة الاسرة عليها في الغلاف الخلفي صورة حلوة لسوزان مبارك وكلمتها عن مشروع المكتبة، مش مهم ده كمان انما اللي كان ملفت بالنسبة لي اننا مش هنعرف نتخلص من وجود مبارك في حياتنا ابدا اسمه وصورته وصورة مراته والمشاريع اللي كانت بتحمل اسمه هتفضل تطاردنا، هو نفسه هيفضل شبح بيطلع لنا من كل خرابة!

مش هو ده بالظبط اللي عايزة احكي لكم عنه، انما اول حاجة افتكرتها وانا داخلة الشارع بتاع المكتبة –شارع جمال حمدان في الدقي– بعد غياب حوالي 12 سنة كده، ان ع ناصية الشارع كان فيه زمان إنسان معرفش راجل ولا ست- دايما نايم بوضع معين ثابت مش بيتغير ع ناصية الشارع، وفيه ريحة وحشة جدا لا تطاق بتشمها بمجرد ما تقرب من مكان الجسم ده، طبعا كان واضح انه انسان وباين جدا رجله، لكنه دايما كان مغطي وشه.

انا فضلت اشوف الجسم ده شهر بعد شهر بنفس الريحة اللي بتزداد وبنفس الوضع اللي مش بيتغير، وطول الوقت بسأل نفسي لا يمكن يكون الجسم ده لانسان ع قيد الحياة لازم يكون مات من فترة طويلة، لكن الملفت اكتر ازاي محدش خد باله منه، ازاي محدش فكر انه يعرف الإنسان ده ماله، عيان، ميت ، من شهور طويلة، كمان ع الرغم ان الشرطة موجودة ع بعد أمتار من المكتبة انما برضه كانوا بيمروا من غير ما حد يبص له، كنت حاسة اني انا اللي بشوف الراجل ده وان دي تهيؤات مثلا!

طبعا لما رحت المرة دي جسم الإنسان ده مكنش موجود اختفى، لكن بالنسبة لي المساحة دي مقدرش ادوس عليها حتى وهي فاضية وبشم نفس الريحة اللي كنت بشمها في كل مرة بمر فيها من جنب الرصيف.

المنظر ده عمري ما نسيته ولو كنت بعرف ارسم كنت رسمته بكل التفاصيل حتى لون القماش اللي كان مغطي الجسد ده، وشكل الشارع النضيف الهادى المليان فيلات وعمارات ومطاعم والنيل فيه متغطي بالمراكب واللانشات والناس اللي بتمارس رياضة الجري والمشي ع الرصيف التاني، والداخلين والخارجين بعربياتهم للمكتبة والولاد الصغيرين اللي مع  امهاتهم ومربياتهم مستنيين المكتبة تفتح يوم الجمعة الصبح، كل ده ومنظر الجسد مرمي بوضعية ثابتة في الشارع زي المومياء المحنطة عامل زي علامة استفهام وجنبها مليون علامة تعجب!

لماذا “يوميات امراة بصدفة سلحفاة”؟!

لم احتر كثيرا قبل اختيار اسم مدونتي الجديدة “يوميات امرأة بصدفة سلحفاة” فقد كنت ومازالت تلك المرأة التي تسير  في شوارع وسط البلد تحمل على ظهرها حقيبة تشبه الصدفة بالفعل : صغيرة ومكتنزة وعليها نقوش تشبه المربعات التي تزين الصدفة، انا امراة سلحفاة او سلحفاة تسير ببطء بسبب ثقل ما تحمل فاصبحت جزء من شكلي وبسببها استمع يوميا لتعليقات عدة من “مواطنين شرفاء” يعبرون عن عدم اعجابهم بمظهري كلا بطريقته الخاصة..

هذه يوميات امراة سلحفاة ترتدي نظارة تحمل على ظهرها حقيبة وتسير في شوارع وسط البلد ببطء، وتحمل في تلك الكرة التي تعلو رقبتها افكارا عدة ستجدوها هنا ايضا، مع قراءات ومشاهدات واحلام .. هذه مساحة أكتب فيها عن نفسي لكن الآخرين سيكون لهم نصيب وافر.

يوميات امرأة بصدفة سلحفاة تقول “أهلا بالعالم”!