سماح صادق بطلة تحدت الواقع في مصر

اشعر بسعادة غامرة الآن عندما يقول لي اشخاص لا اعرفهم من خلال شبكات التواصل الإجتماعي انني مصدر إلهام بالنسبة لهم، وفي الوقت نفسه اتذكر انه كان ومازال لدي “مصدر الهام ودعم” وبعد ان عرفتها منذ سنوات بعيدة توقفت عن البحث عن قدوة في الشخصيات العظيمة التي يتحدث عنها الناس ويشيدون من أجلها التماثيل.

سماح صادق هي بطلة قصتي، وهي بلا شك -من وجهة نظري وآخرين غيري- واحدة من الأبطال الذين تحدوا الواقع، ونجحت في أن تصنع مستقبلها بمفردها بتعب ودأب عظيم، وبإمكانيات بسيطة جدا لكنها كانت تستغلها بكفاءة، كل هذا دون أن تتخلى عن التفاؤل والسعي ومساعدة الآخرين.

سماح صادق صحفية وروائية وايضا شاعرة مصرية، صدر لها ديوان واحد بعنوان “البنت البردانة في قلبي”، ورواية “ترانس كندا”، وتستعد للإطلاق روايتها الثانية، هي الآن تعيش في كندا لكن وقت ان تعرفت عليها كانت هنا في مصر تجلس على مكتب خلفي في مقر صحيفة إلكترونية، اغلقت ابوابها لكن مازال كل من عمل بها اصدقاء حتى الآن.

لنبدأ من نقطة النهاية، لقد تركت عملي في الوقت نفسه الذي كانت تستعد فيه سماح للسفر لكندا، لقد تزوجت وستعيش مع زوجها هناك، كنت تعيسة وفاقدة اي احساس بأن هناك أمل بعد ان فشلت في أن احصل على فرصة عمل، فما كان إلا ان احضرت سيرتها الذاتية التي كانت منشورة على موقع إحدى المؤسسات التي تعاونت معها من أجل تدريب، ودرستها جيدا، وبدأت اخطو نفس خطواتها، حتى الآن اتخذ بعض القرارات واقتحم مجالات واكتشف انها هي من سبقتني، واني قد قرأت هذا في سيرتها فانطبع في رأسي واصبح يقودني دون أن ادري.

قبلها عملنا معا في صحيفة الكترونية شبابية، كانت هي قادمة لتوها من الولايات المتحدة الأمريكية بعد ان امضت هناك عاما كاملا تدرس الصحافة بعد أن حصلت على منحة من مؤسسة فولبرايت، وهي بالاساس خريجة كلية الآداب قسم اللغة العبرية، كنت اعتبرها “معلمتي” واستشيرها كثيرا، واسألها عن كل شيء، كنت منذ اللحظة الاولي التي اراها فيها واعرف انها ستعمل معا، ارى فيها النموذج الذي اريد أن اصبح عليه، هي جميلة وذكية جدا، مرحة ولطيفة ومتعاونة واجتماعية جدا، كما ان لديها موهبة كبيرة في الصحافة وتمتلك اسلوب جميل، وتحب التعلم، ولديها افكار كثيرة باستمرار، كانت شخصية محورية في مكتبنا وقدرتها على الحكي لا يفوقها احد فيها، بالإضافة لذلك كانت موهوبة في الشعر، الكتابة الابداعية بشكل عام، ولديها مدونة غاية في الجمال.

كانت تتحدث عن اسرتها البسيطة، ولم تخجل من ذلك ابدا، كان هذا يشعرني بالاطمئنان كثيرا، فنحن نتنمي إلى نفس الطبقة الاجتماعية وتلقينا نفس التعليم، كنت اشعر بسبب وجودها إنه لا يوجد شيئا يمثل حاجزا لكي احقق طموحي، هي من ساعدتني ان اتحدث بشجاعة مع والدي بشأن سفري، وبالفعل وافق واصبح يساعدني في كل مرة اسافر فيها داخل أو خارج مصر.

كنت ادير معها نقاشا في امور عدة دون خوف، وعندما اتذكر تلك المناقشات الآن، اكتشف كم كنت ساذجة ومنغلقة، لقد اصبح لدي نفس ارائها الآن عن الفنون، الحرية، الحجاب، العمل، السفر، فكلما تقدم بي العمر عاما جديدا اشعر اني اقترب كثيرا منها، واشعر اني تجاوزت مرحلة الفتاة الخجولة المنغلقة التي كنتها سابقا، كل هذا لإن سماح كانت هناك يوما، تمثل لي نموذجا حيا على إن طموحي مشروع وقابل للتحقق، وإنه لا مكان لخوف أو قلق بسببه.

واجهت موقفا هي من ساعدتني على التصرف فيه وحسمه من البداية، لم استشرها وقتها لكن كل ما في الأمر إني تذكرت ماذا فعلت هي عندما واجهها نفس الأمر، ببساطة اسم أبي يتشابه كثيرا مع لقب وزير سابق، وفي كل مرة اذهب الى مقابلة عمل او ورشة تدريبية كان الناس يتصورون إني ابنته او على الاقل واحدة من قريباته، كنت حاسمة في ردي إنه ليس ابي، ونحن لسنا اقارب، حتى لو تسبب ذلك في فقدي وظيفة كنت اطمح اليها، كنت اقول “إن ابي ليس وزيرا ولن يكون، هو عامل في مصنع حكومي”، لقد اتخذت هذا الموقف بثبات، أن اقول من أنا واين يعمل ابي دون مواربة أو استغلال لأحد، لانها يوما ناقشتني قبل أن تذهب لمقابلة لمنحة تدريبية خارج القاهرة، كيف ان سألها احد عن عائلتها هل تقول إن جدها كان يعمل في مهنة بسيطة ولكن الناس ينظرون اليها هنا نظرة غير لائقة، واتفقنا وقتها انها ستقول الحقيقة إن سألها أحد، نفس القرار اتخذته أنا بعد ذلك ولم أندم على شيء.

سماح صادق بطلة تحدت الواقع في مصر، لقد تعلمت وعملت وحصلت على منحة للولايات المتحدة بكفاءتها دون واسطة من أحد أو مساعدة، كانت تساعد الآخرين وعونا لهم، لم تعش شخصية ليست شخصيتها وكانت صريحة وواضحة ولم تستغل احدا ولم تكذب، سافرت كندا لكنها تنشر أعمالها باللغة العربية، وحتى روايتها مثلت مصدر الهام لآخرين، فالرواية تتشابه كثيرا مع واقع كانت تعيشه.

سماح صادق بطلة قصتي، واذا كنت اعتبر نفسي الآن ناجحة فهي من رسمت مستقبلي عندما مثلت نموذجا نادرا في الاعتماد على النفس وتجاوز الألم والاندماج في حياة الآخرين دون شعورا بالنقص بل على العكس هي تفوق الكثير ممن عرفتهم في إدراك كيف يصنع الإنسان نفسه دون أن يحمل على كتفيه مرارة بسبب ما حدث في الماضي.

سماح صادق تستحق أن تكون بطلة من بطلات تحدوا الواقع في مصر.

 مدونة سماح صادق

صفحتها على الفيس بوك 

صفحة روايتها “ترانس كندا” على موقع Goodreads

هذه التدوينة كانت مشاركة في مسابقة أبطال تحدوا الواقع في مصر التي نظمها برنامج شباب تك على قناة دويتشه فيله العربية