عن أصوات الناس التي حاولت تجاهلها فتركت آثارا على جسدي!

في لحظات الرغبة في الإسترخاء اغمض عيني واتمنى ان اقف أمام شاطىء هادىء، لكني اعود وافتحهما لأني ببساطة ارى نفسي مرتدية الحجاب والبس حذاء، وبلوزة باكمام طويلة، وأسمع شخص يقول لي “شعرك باين من تحت الطرحة”، حتى الخيال اصبح به تلك القيود التي اشعر انها تكبلني في الواقع!

هذه مساحة اختارتها للفضفضة، اتوقع ان اجد أصوات مستنكرة، ولكني اطالبهم بالابتعاد عن تلك المساحة، فهذه الأصوات هي التي جعلتنا نرى أنفسنا في الخيال بنفس الصورة التي نسير بها في الشارع، لا نستطيع حتى ان نستدعي تلك الصورة التي نريدها لأنفسنا متحررين من القيود ولو لدقائق.

لا استطيع ان اصدق الاشخاص الذين يقولون “كلام الناس مش بعمله حساب”، هذا الأمر صعب للغاية، خاصة في هذا المجتمع القاسي الذي نعيش فيه، واصوات الناس تخترق اذاننا، ونظراتهم المستنكرة سوف تجدي لها آثارا لا تمحى على جسدك، فحتى لو تجاهلنا فعلا هذه الاصوات في البداية، مع الوقت لن نستطيع وستجد لها مساحة في تفكيرنا وستؤثر على قرارتنا، ببساطة قفي امام صف طويل من الملابس الجميلة الزاهية الالوان، ابدئي في التقاط منها ما لفت انتباهك وتعتقدين انه يناسبك، اخبريني الآن كم منها اعدتيه الى مكانه قائلة “حلو بس مش هعرف البسه هنا”؟!

انا اسكن في منطقة بعيدة، عندما اقرر النزول من المنزل استغرق ساعتين قبل ان اصل الى وسط البلد لوحدها، اسمع تعليقات عديدة على جسدي وملابسي وهيئيتي وطريقي سيري في الشارع، على الحقيبة التي اجملها، على الكتاب الذي اقرأ فيه، على ارتدائي نظارة، على كوني امرأة، ربما اسمع مرة من يقول “ايه اللي انتي لابساه ده”، ومرة اخرى اسمع “مراتي مش في البيت النهاردة”، ومرة اخرى “شعرك باين” أو حتى تعليقات مستنكرة اني اسير في الشارع أو “اركب الميكروباص” وازاحم الرجال في اماكنهم، وطبعا هناك تلك النظرات التي تعرفها مكانها في جسدي!

الامر بدأ بالانزعاج من اقتحام مساحتي الشخصية بهذه الطريقة، ثم حاولت ان اتجاهل ذلك مرارا، لم استطع، فاشتريت سماعة اذن واجعل صوت الموسيقى عالِ رغم ما يسببه لأذني من اضرار، واخيرا قررت ان اسير بسرعة حتى لا تقع عيني على شخص يتفحصني او تخترق أذني كلمة لا ارغب في سماعها، لكن هل هذا هو الامر الطبيعي؟ هل كل امرأة عليها ان تتخذ كل هذه الخطوات حتى تسير في الشارع، ذهبت الى بلادا عربية وجدت الامر مختلفا تماما، لكني لم اعثر على إجابة بشأن مجتمعنا؟ لماذا اصبحنا هكذا؟ وإلى متى سنظل كذلك؟

منذ فترة بسيطة، فتحت دولاب ملابسي وقررت ان ارتدي ما اريد، بالطريقة التي اريد، لكن فجأة اختفى حماسي وذهبت شجاعتي عندما ترددت في أذني بعض من الكلمات التي ساسمعها حتى اصل لوجهتي، اكتشفت ان حتى لو في لحظة ظننت ان تلك الأصوات لم تعد تؤثر فيكِ، لكنها تظهر فجأة وتمحي كل ما حاولت فعله للمقاومة.

سالخص كل ماسبق، كان أمامي سفر وبعد ان جهزت كل شيء، بحثت عن سماعتي لم اجدها، فتحت الحقائب وفتشت بداخلها، قلبت غرفتي رأسا على عقب ولم اجدها، تحدثت الى أمي في عملها اسألها عن السماعة، ايقظت اشقائي، اخرجت ملابسي من الدولاب وبعثرت كتبي باحثة عنها، ولم اتحرك إلا بعد ان وجدتها في حقيبة يدي، كل هذا لإني لا ارغب أن اسير خطوة في الشارع واسمع أصوات الناس، لحقت القطار وهو يتحرك، لكني لم اندم، فقد وجدت السماعة حائط الصد الأخير عن أصوات الناس، وكل هذا وأنا اللي كنت أظن اني صدقت نفسي عندما أقول “لقد كبرت كلام الناس مش مهم”، ولم ادرك أن كلامهم اخترق اذني واحتل وجداني للأبد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *